top of page

طريق صعب وحياة مزدحمة

تاريخ التحديث: 4 أبريل


Une route difficile et une vie bien remplie

الدكتور علاء التميمي – 15 آذار 2025


في حياة كل إنسان لحظاتٌ حاسمة، تهزّ التوازنات وتعيد رسم الطريق. ومثل كثيرين، لم أسلك مسارًا مرسومًا بوضوح أو ممهّدًا بالأمان. كانت رحلتي سلسلة من التحديات، يصعب سردها بإيجاز أو تلخيصها بكلمات بسيطة. أيام مرهقة، تتأرجح بين اختبارات للضمير وتقلبات القدر. سلكتُ طرقًا لم أخترها دومًا، لكنني واجهتها بإرادة لا تلين، وعقلٍ مشغوف بالمعرفة، حتى في أحلك اللحظات.

كل منعطف في هذه الرحلة علّمني درسًا، وكل مدينة عبرتها كانت مرآةً لجزءٍ من ذاتي. البُعد لم يكن فقط عن المكان، بل أحيانًا عن الزمن، وعن الناس من حولي، بل وحتى عن نفسي.

ومع ذلك، بقي نور صغير بداخلي... لا ينطفئ.

وُلدتُ في بغداد عام 1952، في مدينة تنبض بالحياة، والتاريخ، والأمل، مدينة لا تنام إلا على همس النهر، وتستيقظ على دويّ الطموح. هناك، في قلبها، تكوّنت أولى ملامح وعيي، وانفتحت عيناي على عالمٍ كان يُعلي من شأن المعرفة، ويعتبرها الخطوة الأولى نحو الكرامة.

درستُ الهندسة في جامعة بغداد، ونلتُ منها أيضًا شهادة الماجستير. في ذلك الوقت، كانت الثقة بالعلم أشبه بإيمانٍ ديني، نتلوه كل صباحٍ مشرق، ونكتسبه بالصبر والعمل الدؤوب.

لم أكن أملك سوى شغف لا يشبع بالتخطيط الحضري، وحلم بأن تملك المدن روحًا تليق بسكّانها.

في أوائل الثمانينيات، قادتني خُطاي إلى فرنسا، حيث حصلتُ على درجة الدكتوراه في الهندسة الإنشائية من جامعة السوربون العريقة، بين حجارة باريس القديمة وصروحها العلمية. سنوات المنفى لم تكن سهلة، لكنها حفرت في داخلي عمقًا جديدًا، ووسّعت رؤيتي لما يمكن أن يحققه العلم إذا اقترن بالإرادة.

عند عودتي إلى الوطن، درّستُ في عدد من الجامعات العراقية قبل أن أنضم إلى الهيئة العراقية للطاقة الذرية، حيث عملتُ بين عامي 1987 و1992، خلال واحدة من أكثر الفترات حساسية في التاريخ المعاصر للعراق. لم يكن ذلك مجرد عمل، بل ساحة صامتة يتصارع فيها الطموح العلمي مع المخاوف السياسية، بين الممكن والمستحيل.

في أروقة المختبرات، وغرف الاجتماعات المغلقة، عشتُ عن قرب هشاشة التوازن بين المعرفة والسلطة، بين العالِم وصاحب القرار. كانت سنوات مرهقة، لكنها شكّلتني، وعلّمتني أن المعرفة وحدها لا تكفي إذا لم يُرافقها وعي بمكانها على خارطة الواقع.

ومع ذلك، فإن العراق، ذاك الوطن الذي أحببته بعمق، لم يكن دائمًا حضنًا آمنًا لأبنائه، لا سيّما حين اشتدّت العواصف، وتهاوت مؤسساته تحت وطأة الحصار والتراجع والخيانة.

في منتصف التسعينيات، وجدتُ نفسي أمام قرارٍ صعب: الرحيل.

غادرتُ وقلبي يشتعل شوقًا، وفي حقيبتي كتبٌ قليلة، وشهادات نلتها بشقّ الأنفس، وأحلام تبحث عن أرضٍ تنمو فيها. لم أُغادر هربًا من وطني، بل بحثًا عن حريتي، عن مساحة بسيطة أمارس فيها عملي دون خوف، وأحافظ بها على كرامتي كإنسان وعالِم.

4o

Commentaires


bottom of page