"Less is more" دعوة لاستعادة احترام البساطة المدروسة
- Admin Odela
- 27 مارس
- 2 دقائق قراءة
تاريخ التحديث: 4 أبريل

الدكتور علاء التميمي٢٤ آذار ٢٠٢٥
لطالما أثارت اهتمامي مقولة المعماري الشهير ميس فان دير روه: "الأقل هو الأكثر". قد تبدو هذه العبارة متناقضة من الوهلة الأولى، لكنها في جوهرها تعبّر عن فلسفة شاملة في التصميم والتخطيط، لا تنطبق على العمارة فحسب، بل على كيفية بناء المدن وكيفية إدارة الحياة فيها.
ومن بين المدن التي تحتاج بشدّة إلى هذه الفلسفة، تبرز بغداد، المدينة التي شهدت على مدى قرون مزيجًا من العبقرية العمرانية والارتجال العشوائي، والتي باتت اليوم في أمسّ الحاجة إلى استعادة بساطتها الوظيفية وروحها الحضرية.
تعاني بغداد منذ زمن طويل من بنية تنظيمية وفنية معقّدة أثقلت كاهلها، بدءًا من شبكات الطرق غير المتوازنة، ومرورًا بتداخل الصلاحيات بين أمانة بغداد ومحافظة بغداد، وصولًا إلى بنية تحتية متهالكة تثقل كاهل السكان والبلدية معًا.
تطبيق مبدأ "الأقل هو الأكثر" في هذا السياق يعني التركيز على المشكلات الحضرية الأكثر إلحاحًا في بغداد: كالانتشار الأفقي غير المنضبط الذي يلتهم الأراضي الزراعية ويزيد من الاعتماد على السيارات، مما يفاقم أزمات المرور والتلوث.
بغداد لا تحتاج إلى توسعات جديدة، بل إلى إعادة إحياء مركزها الحضري، وزيادة الكثافة السكانية بشكل مدروس في مراكزها، وتعزيز مفهوم "المدينة القريبة" الذي يقلل من المسافات ويعيد الحياة إلى الأحياء.
فبين الأرصفة المُستولى عليها وندرة المساحات العامة الصالحة للتنزه، فقدت بغداد جزءًا كبيرًا من روحها الاجتماعية والتواصلية.
تطبيق هذه الفلسفة في بغداد يعني إعادة التفكير في شوارعها لتصبح أكثر ملاءمة للمشاة، ليس فقط بإزالة السيارات من الأرصفة والأسواق، بل أيضًا بتطوير الأرصفة، وإنشاء مسارات للدراجات، وربط أحياء بغداد بوسائل نقل عامة فعالة ومتكاملة من خلال تخصيص مسارات للنقل العام والحافلات، مع التركيز على الهوية المعمارية لبغداد.
إن البحث عن نماذج معمارية أجنبية، وبناء ناطحات السحاب، وتقليد الطرز العالمية بشكل عشوائي، أفقد بعض أحياء بغداد طابعها الأصيل.
وإذا كانت الحلول تكمن في العودة إلى عمارة مستوحاة من البيئة المحلية، فإن البساطة هنا ليست مسألة جمالية فقط، بل هوية حضرية تقاوم التلاشي.
بغداد بحاجة إلى تخطيط عمراني مرن وواضح. ما يعيق تطورها ليس غياب القوانين، بل تعقيدها وتناقضها أحيانًا، وغياب رؤية عمرانية موحّدة.
الانتقال إلى تخطيط عمراني بسيط وواضح، يفتح المجال للإبداع والمبادرات المحلية، قد يُطلق الطاقات الكامنة في المدينة ويوجهها نحو إعادة إعمار ذكية.
أختم بالقول إن بغداد مدينة للحياة، وليست مجرد نقطة عبور. في زمن تتصاعد فيه التحديات المناخية والاقتصادية، لا يمكن لبغداد أن تستمر بالسير في الاتجاه نفسه.
فلسفة "الأقل هو الأكثر" ليست ترفًا نظريًا، بل دعوة لإعادة تشكيل المدينة كمكانٍ للحياة والتفاعل والانتماء.
بغداد التي نريدها ليست متحفًا مغلقًا، وليست فوضى من الأبراج، بل مدينة بسيطة، مرنة، وعميقة... كالنهر الذي يشقّها.
فلنجعل من بغداد مكانًا نعيش فيه حقًا... لا مجرّد محطة في طريقنا.
Comentarios